شبح البطالة في الجزائر

يعتبرالعمل حق أساسي من حقوق الإنسان، اعترفت بها الدول في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945م، كما يعتبر واجب على الإنسان البالغ القادر حتى يستقر حاله وحال أسرته، بل واجب امام المجتمع الذي بعيش فيه، فلقد تطلبت الحياة الاجتماع لما لا يستطيع الفرد فيها القيام بكل الوظائف بل يستدعي الأمر مساعدة الآخرين، كما أن الله أعطى القوة والعقل والتفكير والمقدرة والذكاء درجات، لذلك كل واحد في المجتمع سيساهم بما استطاع في تقديم خدمة قد لا يقدر غيره على اتقانها.
إنّ زيادة التعداد السكاني في المجتمعات وزيادة انواع وأشكال الالات الصناعية والتكنولوجية التي تعوض الانسان منذ الثورة الصناعية الثانية، بدأت البطالة تعرف انتشارا طفيفا فمتوسطا فواسعا، تبعا لاعتبارات والظروف المذكورة وتبعا للأنظمة السياسية والاقتصادية التي تنتهجها الدول.
والشعوب في الفيتها الثالثة تعيش بطالة وان كانت في الماضي تضرب الافراد غير المتعلمين فإنها اليوم تضرب حتى المتعلمين وقد تقيسهم هم اكثر من غيرهم، فقد يجد صاحب الحرفة والصنعة العمل اينما حلّ في بلده ام بلد المهجر، ويرحب به بلد المهجر للكنز الذي يملكه في اليدين والإبداع الفكري…،
وقد لا يرحب لمن تعب وشقى سنوات بحثا عن العلم والبحوث، وذلك وفقا للتخصصات العلمية وحاجة الدول وما توفر لها من مواد أولية…،
إن كان البعض يظن ان البطالة تنتشر في دول العالم الثالث دون غيرها فهو على خطأ و انما هي منتشرة في الدول المتقدمة أيضا لكن قد لا يحس بها، لأنهم محميين من الضمان الاجتماعي و يتلقون مساعدات شهرية من الجهات المختصة ولو مبالغ زهيدة مقابل ما كانوا يتقاضونه في عملهم، ان مصانع اوروبا لاسيما بعد كل أزمة مالية اقتصادية تغلق ابوابها بعد اشهار إفلاسها، فيسرح عمالها وقد لا يأخذوا التعويض في ساعته بل ينتظرون وقتا طويلا قد يكون سنة كاملة.
لكن تقع الضربة الموجعة في بطالين دول من أمثلة في دول افريقيا وآسيا، ان البطالة أضحت قضية اقتصادية واجتماعية وثقافية فهي تعني الفقر والتشرد والجوع الذي يمثل القضية الاجتماعية الكبرى التي واجهها الإنسان ولا يزال يواجهها منذ أن بدأت المجتمعات البشرية في تطورها، وقد أخذت ظاهرة الفقر أشكالاً متعددة فالشكل التقليدي لها هو وجود فقير في مقابل غني.
والمعيار في هذا الشكل هو الثروة ومعها الدخل، وهو معيار اقتصادي وجود حر في مقابل عبد، شكل آخر من أشكال الفقر والذى يوجد فيه معياران المعيار الاقتصادي وهو الفقر في الدخل والثروة ، والمعيار السياسى وهو فقدان الإرادة السـيـاسيــة، وهنا يوجد انتهاك في حق أساسى المتمثل في العمل الذى يدخل المجتمع في فقر وسوء معيشة مما يترتب عنه سوء التغذية وعجز عن تلبية الضروريات الحياة من مسكن وعلاج وتعليم.
والجزائر ليست في منأى عن مشكلة البطالة التي تحولت الى ازمة اجتماعية واقتصادية وهزت الاستقرار السياسي بعد المظاهرات العديدة التي قادها الشباب البطال. الذي لم يعد يفهم اسباب وجود البطالة في بلاد تنعم بثروات ضخمة ومتنوعة، في حاجة مستمرة ومتواصلة لأيدي عاملة من مختلف التخصصات والطاقات العضلية والمعرفية.
لقد اضحت البطالة في الجزائر سببا من أسباب الآفات الاجتماعية الضارة والمفسدة بالمجتمع، فالفئة الأكثر تضررا من البطالة فيها هي فئة الشباب، أكثر من نصف الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و29 عاما يعيشون في بطالة بمعنى شاب من بين اثنين
فالبطالة تمس 45٪ من الشباب بين 16و24 عاما و 56٪ من الشباب بين 16و19 عاما، في حين أن‮ الشباب بين 16و‮ 24‮ عاما من المفروض مكانهم على مقاعد الدراسة في الثانويات أو‮ في الجامعة لكنهم اقتحموا سوق العمل مبكرا فيزيدون تضخيم احصاءات البطالة.
والتسرب سببا من أسباب البطالة كما يمكن اعتباره نتيجة من نتائج البطالة، فالأول ان يكون سببا لما سجلت الجزائر في السنوات الأخيرة أكثر من 5000 حالة تسرب مدارسي، وكلهم اليوم من طالبي العمل، والثاني يمكن ان تكون البطالة سببا في حدوثه لما يصبح رب الاسرة او المعيل في حالة بطالة بعد تسريح عن عمل بطريقة قانونية مثل افلاس المصنع الذي يشتغل فيه، او بطريقة غير قانونية بطرد تعسفي…،
فلا يمكن للمتمدرس ان يواصل الدراسة في هذه الأحوال العائلية المتدهورة حتى وان كان التعليم مجاني فانه يبقى في حاجة الى الغذاء الكامل واللباس و الأدوات المدرسية ناهيك عن بعض الكماليات التي اصبحت من الضروريات في زمنا هذا، فتجد الطفل يتوقف عن الدراسة ويدخل سوق العمل غير القانوني كبائع في الأسواق أو عبر الطرقات في أحسن الأحوال، أو غيرها من الأعمال التي يقدر عليها جسده الصغير وعقله غير المكتمل.
حتى المتعلمين في المعاهد والجامعات لم تعد المعامل والشركات العامة والخاصة تسعهم، وقد لا ترحب بهم اطلاقا نظرا لابتعاد ما درسوه عن الواقع، فتجدهم يتلقون الجانب النظري اكثر من العملي التطبيقي الملموس، باعتماد برامج تعليمية اكل الدهر عليها وشرب. وكأن الجامعات أصبحت أماكن طبع الشهادات لا غير، وهذا ما يتداول في الشوارع بعدما فقدت الجامعات بريقها وهيبتها، ولا مدارس التكوين المهني توافق متطلبات العصر إلاّ في بعض التخصصات، ناهيك عن تهرب بعض الشباب عن بعض التخصصات في هذه المدارس التي تعد أساسيات كالترصيص والبناء … وهي الاعمال التي اضحت مطلوبة لاسيما في دول المهجر.
و يعتبر اليوم قطاع البناء والأشغال العمومية من القطاعات المعتمدة بكثرة على اليد العاملة ومولد للعمل وهي تواجه عجزا كبيرا في اليد العاملة المؤهلة فيه لعجز في العنصر البشري والمفارقة العجيبة في الجزائر هي استقدام كم هائل ومتزيد من العمال الآسيويين لاسيما الصينيين للعمل في مختلف الورش البناء في البلاد دون التفكير في تقليص قائمة البطالين في الجزائر.
و ينتج عن تزايد تعداد البطالة شكل آخر من أشكال الجرائم في حق الانسانية ومتمثل في الهجرة السرية عبر قوارب الموت، لاعتبارها الحل الأخير، بعد أن سئموا من البقاء دون عمل دون قوت يحفظ بقاءهم وبقاء عيالهم وذويهم ويحفظ كرامتهم.
حيث اصبح الشاب يضحي بنفسه من اجل ايجاد العمل وتجده يردد العبارة ” دع حوت البحر يأكلني وأموت غرقا ولا ابقى في بلد بطالا عاجزا”.
ومن الاسباب انتشار وزيادة نسبة البطالة في الجزائر نذكر؛
– اعتماد الاقتصاد الجزائري على المحروقات كمصدر أولي لتمويل إيرادات الدولة، ما أدى إلى ارتباط إيراداتها من العملة الصعبة بشكل كبير بعائدات هذه الصادرات التي تتميز بعدم استقرار أسعارها ،دون التفكير في مشاريع جديدة وجادة لامتصاص البطالة وزيادة نسبة الصادرات من غير النفط.
– زيادة النمو الديمغرافي وبالتالي زيادة الطلب على العمل لا يتناسب كليا والزيادة في عدد الوظائف المطروحة في سوق العمل.
– نقص مصادر التمويل لإنعاش وتمويل المشاريع الاقتصادية، رغم الجهود القانونية لتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي.
ـــ ضعف أداء الجهاز الإنتاجي وضآلة ادخار المواطنين و مختلف الأعوان الاقتصاديين بسبب انخفاض القدرة الشرائية للعائلات وعدم الثقة في البنوك وفي الاستثمار في بلدهم، بل عدم توفر الرغبة ولا ثقافة الاستثمار.
عدم التوافق بين مخرجات التكوين واحتياجات التشغيل، سواء كان هذا التكوين جامعيا أو مهنيا نظرا لضعف الوساطة في سوق العمل ووجود اختلال بالنسبة لتقريب العرض من الطلب في مجال التشغيل.
نقص اليد العاملة المؤهلة وضعف تطورها في الحرف، إذ بالرغم من توفر مناصب شغل ذات امتيازات عالية خاصة بالمؤسسات الأجنبية الناشطة في الجزائر إلاّ أنها تجد صعوبات في إيجاد أشخاص يتوفرون على الكفاءات المطلوبة.
العامل الاجتماعي الثقافي الذي يدفع إلى تفضيل العمل المأجور مما أدى إلى إضعاف روح المبادرة المقاولاتية، لاسيما لدى الشباب ما يؤدي إلى ظهور ما يعرف بالبطالة الفكرية.
العامل الجغرافي فضعف الحركية الجغرافية والمهنية لليد العاملة نتج عنها عدم تلبية بعض عروض العمل، لاسيما في المناطق المحرومة في الجنوب الجزائري ومنطقة الهضاب العليا.
ولعل من أهم أسباب البطالة حاليا في الجزائر هو ميل سياسة التشغيل التي تميل إلى الصيغة التعاقدية مما يعني انخفاض مناصب العمل الدائمة في طريق زوالها يوما ما، كما أن تباطؤ نمو المشاريع الاقتصادية ضاعف من تكاليف انجازها ما أدى إلى إفلاس المؤسسات الاقتصادية القائمة بها وبالتالي تسريح عمالها بشكل جزئي أو كلي.

إنّ شبح البطالة في الجزائر أصبح يحوم فوق رؤوس جلّ الشباب المتعلم وغير المتعلم، مما جعلهم يفقدون الأمل في ايجاد منصب عمل، وتبقى أحلامهم في طابور الانتظار كما هو حال ملفاتهم في الشركات والمعامل وفي انتظار مستقبل أفضل ننتظر أن تفتح آفاقا جديدة وهي من صنيع صناع القرارات وراسمي السياسات العامة في البلاد.
.

 

Leave a Reply