العجوز والاشعة السينية

 

جالست امرأة عجوز نسيها الزمن ،فتراكمت عليها السنين بلا عدد محدد،وفي نظرتها الثاقبة تخفي وراءها الآم السنين تنتظر في هدوء قدوم الممرض ليعمل لها أشعة ، اقتربت منها وتحدثت إليها، وجدتها تتألم يوميا من جراء حياتها البائسة والتي هزت كيانها و بإرادة لا شعورية “قالت لي بنت أصيبت بحنون منذ صغرها، كنت أخدها كل سنتين أو ثلاث إلي الطبيب يصف لها دواء تشفي من مرضها، أما في الفترة الأخيرة لم يعد يجيد نفعا، ثم تسأل ما عساك أن تفعل و لك بنت مصابة بالجنون؟ وفي نظرها أن الجنون أخطر بكثير من مرض السرطان، حيث إن مرض السرطان أي كان الحميدة أو الخبيث، ورغم قسوة تحمل المريض له إلا إن عمره قصير أم المجنون يدوم طويلا” ثم تواصل وتسرد معاناتها لجملة من لأمراض لا تكاد تحصيها، فتذكرت منه فقط السكري ،والقلب، والضغط الدموي ،وفي نبرة حزينة تقول مثل شعبي  “ما يبكى لك غير رمشك ،ما يحك لك غير ظفرك ”

حينها  شعرت بحزن شديد  كيف أنها تحملت عناء الانتظار ليومين متتاليين؟ من أجل عمل أشعة على ركبتيها ، انتظرت اليوم أكثر من ستة ساعات متواصلة ،بكل ما تحمل من الألم المعنوي والمادي، الذي جعلها معوزة، ،فلم تصدق حين حاضر الممرض، حيث كان من المحتمل وصولها على الساعة الثانية بعد الظهر، وجدت المرأة صعوبة كبيرة لنهوض ، قاومت بكل ما استطعت وبعدها دخلت أخيرا إلي غرفة ،بخطوات متهادية، ومثقلة بهموم والأوجاع ،و ماهي إلا للحظات حتى خرجت من الغرفة، فطلب منها الممرض أن تنتظر للحظات لتأخذ الأشعة، فما إن مرت تلك اللحظات حتى قدم لها الأشعة  .

تشعر في تلك اللحظة أن المشاعر، والأحاسيس، لها كذلك أجناس، وأشكال تشي بأسرار قلوبنا، فتفضح محبتنا للأرواح لتوا إلتقيناهم، حينها شعرت بالحزن الشديد كيف أنها انتظرت كل هذه المدة .

فقالت بنبرة حزن سوف أعود غدا أن شاء الله، لإرجاع الطبيبة التي وصفت لي أشعة، لتخوض معركة انتظار مرة آخرة .

هنا تحركت آلة حاسبة تحسب ثمن اللا إنسانية  التي عمت ،وبدأت تسجل، حين لا يحترم فينا الضعيف، ولا الطاعن في السن، ولا حتى المريض، الذي يتقطع من ألم وكيف أن أنانية استوطنت في المجتمع فقد جل معاني الإنسانية، حينها لا تعود تستطيع فعل شيء إذا ما تركت اللحظة تمضي، لأن هذا الوجود أيضًا اللحظة، وأن الزمن يجلب ويأخذ الأشياء بشكل اعتباطي وليس فقط نحن الذين نضع أفعالنا، وظروفنا، في إطار الزمن، قد يحدث أحيانًا أن اللحظة تجلب الإمكانية وهذه الإمكانية لها لحظتها الدقيقة، وإذا مضت اللحظة ،عندها لا تستطيع فعل شيء ،لأي شيء، حتى ولو كان إحساس بقلوبنا وهو اضعف الإيمان  .

 

 

Leave a Reply